في صباح السابع عشر من يوليو عام 1978، وبينما كانت البلاد تعيش واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا، اتجهت أنظار اليمنيين إلى قاعة مجلس الشعب التأسيسي، يترقبون ما ستؤول إليه الأمور في ظل فراغ سياسي قاتم، وفوضى خلّفتها الاغتيالات والصراعات بين مراكز القوى.
في تلك اللحظة، تم انتخاب المقدم علي عبدالله صالح رئيسًا للجمهورية وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، ليبدأ بذلك فصلًا جديدًا في تاريخ اليمن، وسط ظروف بالغة التعقيد، جعلت من الرئاسة مغامرة محفوفة بالموت، لا يجرؤ على خوضها كثيرون.
لم يكن الطريق أمامه مفروشًا بالورود، بل بدأ مهمته وسط أزمات اقتصادية خانقة، وتمردات داخلية، ومناطق خارجة عن سيطرة الدولة. ومع ذلك، بدأ صالح إعادة ضبط بوصلة الدولة، فثبّت الأمن، وأعاد هيبة المؤسسات، ونجح في جمع القوى المتناحرة تحت مظلة سياسية جامعة تمثلت في المؤتمر الشعبي العام والميثاق الوطني.
لم تقتصر مهمته على تثبيت الأمن، بل أطلق مسارًا تدريجيًا نحو الديمقراطية، حيث تعرّف اليمنيون لأول مرة على الممارسة الانتخابية الفعلية، في رئاسيات وتشريعيات ومحليات منحت المواطن شعورًا بالمشاركة في القرار.
ويؤكد مراقبون أن يوم 17 يوليو لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل لحظة فارقة دشنت بداية عهد التعايش الوطني، وبداية حقيقية لمشروع الدولة الحديثة في اليمن.
تُوجت المسيرة في 22 مايو 1990 بإعلان الوحدة اليمنية، التي مثّلت إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق في الساحة العربية. وعلى الرغم من التحديات والمؤامرات، حافظ صالح على وحدة البلاد واستقرارها، حتى قرر مغادرة السلطة عبر انتخابات توافقية عام 2012، في خطوة وُصفت حينها بأنها تجسيد لمبدأ التداول السلمي للسلطة.
حتى بعد خروجه من الحكم، لم يغادر الرئيس الراحل المشهد، بل بقي رقمًا فاعلًا في الحياة السياسية حتى استشهاده في ديسمبر 2017، أثناء مقاومته للانقلاب الحوثي على الدولة والجمهورية.
وبعد أكثر من أربعة عقود على ذلك اليوم المفصلي، لا يزال اليمنيون يتذكرون شجاعته، ويستحضرون لحظة تحوّله من ضابط شاب إلى رجل دولة كتب اسمه في ذاكرة الوطن كأحد أبرز من أعادوا له توازنه في لحظات الانهيار.